السبت، 30 مايو 2015

حماية المستهلك

المقدمة:-
بسم الله الرحمن الرحيم

من قرأ التاريخ من ناحية تطور علوم الإنسان الإجتماعية من قانون وعلم نفس وجغرافيا ونحوهم, سيجد فرق شاسع وتطور هائل من ناحية المفاهيم ومن ناحية المعلومات المتحصلة, وخاصة خاصة في القرنين السابقة لهذا العام.
ومن ضمن العلوم الإجتماعية الإنسانية كما ذكرنا هو"علم القانون", والقانون مراده وغرضه الأصلي تنظيم علاقة الأفراد فيما بين بعضهم البعض وفيما بينهم وبين السلطة, والقانون ينظم الحريات حتى لا تحدث تجاوزات, لا من قبل الأفراد ولا من قبل السلطة بالطبع.
والقانون كلما تطور كلما كان أكثر تنظيمًا ووضوحًا وتبيانًا, وعلى السلطة وضع القوانين لا للاستبداد بها وإنما لتنظيم علاقة الرعية فيما بينهم وبينها وفيما بين بعضهم البعض, وهو حق للرعية وواجب عليها اتجاههم أن تضع قوانين, حتى يكون شأن المنظومة الإجتماعية أكثر وضوح وإنصاف وحفظ للحقوق.
والقوانين إما أن تكون رادعة للتجاوزات أو مصونة للحقوق, وكل هذا من شأن التنظيم ومن مسؤولية السلطة تبيانه ووضعه.
ومن تلك القوانين الرادعة للتاجوزات والمصونة للحقوق ألا وهو قانون أو نظام "حماية المستهلك" وهو الموضوع المختار في بحث مادة النظام التجاري.


مفهوم حماية المستهلك:-

أولًا) نشأة مفهوم حماية المستهلك:
بالطبع مع تطور العلاقات الإنسانية, تطور تبعًا لها التنظيم الخاص بها, لا أعلم متى نُظم مفهموم حماية المستهلك بالفعل ولكن حسب مدونة الدكتور صبري محمد خيري ذكر أن مفهوم حماية المستهلك ظهر بدايةً في الولايات المتحد الأمريكية في أوائل القرن العشرين حيث ذكر "كانت بداية ظهور حركة حماية المستهلك ، في الغرب في القرن الماضي في الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث ظهرت فكرة جمعية المستهلك في الثلاثينات من القرن الماضي وتبلورت في الخمسينات من نفس القرن؛ ومن جانب أخر فقد تم إصدار أول مجلة متخصصة في حماية المستهلك تحت عنوان تقارير المستهلكين."
وحسب موقع الجزيرة فإن الأمم المتحدة قد تبنت حقوق المستهلك الثمانية الأساسية في 15 مارس/آذار 1985.
وجُعِل هذا اليوم (15 مارس) هو اليوم العالمي لحماية المستهلك.

ثانيًا) ورود مفهوم حماية المستهلك في التراث الفقهي:
ليس من الضروري ربط كل مفهوم جديد يصدر حاليًا بالإسلام أو بالتراث الفقهي, والإسلام في غنى أن يكيف على مفهوم حديث صادر من أحد المنظمات العالمية مثلًا, ولكن عمومًا الأديان كلها ما جاءت إلا لتحقيق العدل وتبيان الحق, والعدل من أعظم مقاصد الإسلام وكل الأديان.
ورد في كتاب الله الكريم من الأمور التي يجب على المسلم تجنبها مثل الغش في الكيل, وللدكتور صبري محمد خيري في مدونته كذلك كلام عن ورود مفهوم حماية المستهلك في الفكر الاقتصادي الإسلامي حيث قال:
"أما الفكر الاقتصادي الإسلامى،على مستوى أصوله النصية الثابتة، وفروعه الاجتهادية المتغيرة، فقد أسس لمفهوم حماية المستهلك ، من خلال العديد من المفاهيم والقواعد، والتي تشكل فلسفه واليات حماية المستهلك،في إطار الفكر الاقتصادي الاسلامى"
ثم بعد ذلك مثّل أو عدد الدكتور بعض المفاهيم والنقاط التي تندرج تحت مفهوم حماية المستهلك والتي وردت في التراث الفقهي, ومن ضمن تلك المفاهيم التي ذكرها:
1-الدعوة إلى إتقان العمل: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملًا أن يتقنه ).
2-النهى عن الغش: قال الرسول- صلى الله عليه وسلم -: (من غشنا فليس منا).
3-الأمر بالوفاء في الكيل والنهي عن التلاعب بالموازين :قال تعالى( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ) ، وقال تعالى( وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ وَاقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ) ."
4-تسعير السلع الضرورية والإستراتيجية: وفي هذه المسألة خلاف عند الفقهاء.

ثالثًا)تعريف مفهوم حماية المستهلك:
تُعرّف مؤسسات دولية غير ربحية حماية المستهلك بأنها حماية مشتريالسلع والخدمات من المنتجات المتدنية الجودة والمنتجات الخطيرة على الصحة، ومن الدعاية المضللة.*
حماية المستهلك نوع من التنظيم الحكومي أو الأهلي العامل على حماية مصالح المستهلكين.
وقانونًا:
قانون حماية المستهلك أو قانون المستهلك يعد تابعاً للقانون العام الذي ينظم العلاقات القانونية الخاصة بين الفرد المستهلك وبين قطاع الأعمال أو قطاع التجار الذي يبيع البضائع ويقدم الخدمات. وتغطي حماية المستهلك مجالاً واسعاً من المواضيع، بما فيها (دون حصر) مقاضاة المنتجات ،حقوق الخصوصية، ممارسات تجارية غير عادلة، الاحتيال، سوء تعريف للمنتجات. وغير ذلك من تداخلات المستهلك/التاجر.
وبحسب ناصر المالكي -من التوعية الاستهلاكية بوزارة الاقتصاد والتجارة القطرية- فإن المفهوم العام لحماية المستهلك هو القوانين والتشريعات التي تنظم عملية المستهلك وتواصله مع مجتمعه من ناحية الشراء والتعاقد للشراء أو الخدمات وغيرها، أما حقوق المستهلك فتشمل حقه في الحصول على السلع ذات الجودة العالية والتأكد من تاريخ الصلاحية خاصة بالنسبة للمواد الغذائية، والإبلاغ عن السلع المغشوشة والضارة والمنتهية الصلاحية.*
إذًا لنقول أن قانون حماية المستهلك هو: عبارة عن مجموعة من القواعد القانونية التي تنظّم علاقة المستهلك بالتاجر, وتوضح ما على التاجر اتجاه المستهلك, وتصون للمستهلك حقه في أن يحصل على الجودة التي تنبغي من الأشياء والأطعمة المستهلكة.
وهنالك آليات يحمي بها القانون المستهلك, أو على السلطة الأخذ بها في تشريعها القانوني الخاص بحماية المستهلك, وذكر الدكتور صبري محمد خيري في مدونته بعضًا منها وهي:
* التأكيد على ضرورة أن يتوفر المنتج،سواء أكان سلعة أو خدمة،على ضمانات ضد كل المخاطر التي يمكن أن تتسبب في إحداث ضرر بصحة المستهلك، أو بأمنه، أو بمصالحه المادية.
* التأكيد على ضرورة مطابقة المنتج المعروض للاستهلاك للمقاييس المعتمدة، والمواصفات القانونية والتنظيمية.
* التأكيد على ضرورة إعلام المستهلك بخصائص ومميزات المنتج المعروض من أجل الاستهلاك.
* تفعيل أساليب توعية المستهلك عن طريق الإرشاد والتوجيه بما يكفل حمايته، وصيانة حقوقه.
* إلزام المنتجين أو البائعين بضرورة كتابة كل البيانات الخاصة بالسلع على غلافها مما يتيح توفير الحماية للمستهلك.
* تولي المراكز والهيئات المختصة عملية وضع المواصفات القياسية للمنتجات.
* إلزام المنتجين أو البائعين بضرورة توفير الضمان للمستهلك عن السلع والخدمات المقدمة له، سواء أكان هذا الضمان صريحا أو ضمنيا، مكتوبا أو شفهيا.
* تفعيل الرقابة الدقيقة من طرف الهيئات المختصة فيما يخص مخالفات الأسعار، مع تشديد العقوبات الرادعة حتى لا يتضرر المستهلك.
* تحديد الأسعار بطريقة واقعية، بما يتناسب مع القدرة الشرائية للمستهلك، مع متابعة التغير في الأسعار ، بما لا يضر بمصالح المستهلك.
* توفير الشروط الصحية لاستخدام المواد والعبوات بما في ذلك التعبئة والتغليف.
* الالتزام بإيصال المنتجات إلى المستهلك في المكان والزمان المناسبين، مع تحقيق العدالة في التوزيع.
* تفعيل نشاط الرقابة على الجودة. (د. الداوي الشيخ/ تحليل آليات حماية المستهلك في ظل الخداع والغش التسويقي، حالة الجزائر)
* وضع التشريعات والقوانين التي تهدف إلى حماية المستهلك من الغش في المعاملات التجارية،و الممارسات الاحتكارية،وضمان سلامة المنتجات ومطابقتها للمواصفات…
* إنشاء وتفعيل مؤسسات حماية المستهلك


قوانين قطرية وهيئات دولية ومحلية تعنى بحماية المستهلك:-

أولًا)قوانين قطرية:
قانون حماية المستهلك تقريبًا هو واحد عند جميع من تبنوه من الدول, إلا أنه قد نجد بعض الاختلافات الطفيفة في النص إو في الآلية المعمول بها, وتختلف الآلية بالطبع من بلد إلى بلد, وعموم ما يتضمن حقوق المستهلك ما يلي: حق الأمان والمنتجات والخدمات التي لا تؤدي إلى مخاطر على الصحة، وحق الاختيار بين العديد من الخدمات التي تعرض بأسعار تنافسية، حق الاستماع إلى آرائه وتمثيل مصالحه في السياسات الحكومية.*
ومن أمثلة البلدان العربية التي تبنت قانون حماية المستهلك:
1-الإمارات العربية المتحدة:
وللإمارات دور متميز في قانون حماية المستهلك, ويلحظ هذا من يزور هذه البلدة, ومن الموقع الرسمي للحكومة الإماراتية ما يلي:
تولي حكومة دولة الإمارات أهمية خاصة لحماية حقوق المستهلكين، وقد أصدرت الحكومة الاتحادية القانون رقم (24) لعام 2006 بشأن حماية المستهلك. وتتولى إدارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد وأقسام حماية المستهلك في البلديات والدوائر الاقتصادية في مختلف إمارات الدولة، مهمة الاشراف على تنفيذ السياسة العامة لحماية المستهلك والتصدي للممارسات غير المشروعة وتعريف المستهلكين بحقوقهم وطرق المطالبة بها. وتعمل وزارة الاقتصاد على توعية المستهلك بحقوقه وطرق المطالبة بها وهي:
* الحق في السلامة
* الحق في الاختيار
* الحق في أن يُستمتع إليك
* الحق في أن تعلم
* الحق في التوعية
* الحق في التعويض
* الحق في بيئة صحية
* الحق في الاحتياجات الأساسية
2-دولة قطر:
من الموقع الرسمي لوزارة الإقتصاد والتجارة القطرية ما يلي:
تختص إدارة حماية المستهلك بما يلي:
•تنفيذ أحكام التشريعات المنظمة لحماية حقوق المستهلك ومكافحة الغش التجاري، وحماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية.
•اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المستهلك، وذلك وفقًا للقوانين والأنظمة المعمول بها.
•اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الغش التجاري، وذلك وفقًا للقوانين والأنظمة المعمول بها.
•التنسيق والتعاون مع جمعيات حماية المستهلك وهيئات ومؤسسات المجتمع المدني العاملة في مجال حماية وتوعية المستهلك.
•مراقبة أسعار السلع والمواد والخدمات في الأسواق، وإعداد التقارير اللازمة عن اتجاهات تطورها محليًا ودوليًا.
•إصدار التراخيص اللازمة للتخفيضات والتنزيلات.
•اتخاذ إجراءات الفحص والتحليل ومدى المطابقة للمواصفات القياسية للسلع والبضائع بالأسواق لحماية الحاجاتالحيوية للمستهلك وحمايته من الغش التجاري.

ثانيًا)منظمات وهيئات:
1-المنظمة الدولية للمستهلك:
المنظمة الدولية للمستهلك هي منظمة غير ربحية تأسست في عام 1960 م من قبل خمس منظمات للمستهلكين في كل من : الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وبلجيكا واستراليا, و تهدف إلى عمل بناء حركة دولية قوية للمساعدة في حماية وتمكين المستهلكين في كل مكان, وتطمح المنظمة إلى عالم يمكن للناس اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن السلع والخدمات الآمنة والمستدامة وتعزيز الحقوق الفردية والجماعية الاستهلاكية لجعلها أكثر آمان واحترام لها.
والموقع الرسمي للمنظمة الدولية للمستهلك هو:
http://www.consumersinternational.org/
2-الاتحاد العربي للمستهلك:
جاء تأسيس الاتحاد العربي للمستهلك باقتراح من دكتور محمد علبدات في عام 1998م , ويضم الاتحاد كافة جمعيات ومنظمات حماية المستهلك والدفاع عنه في الأقطار العربية ( المملكة الأردنية الهاشمية، دولة الإمارات العربية المتحدة، الجمهورية التونسيه، الجمهورية الجزائريه، جمهورية السودان، فلسطين، جمهورية مصر العربية، المملكة المغربية، الجمهورية اليمنية), ويمكن أن تنظم اليه أية جمعيه أو منظمة تعنى بحماية المستهلك والدفاع عنه في الوطن العربي وذلك لتحقيق التعاون والتنسيق فيما بينها من اجل تحقيق الحماية للمستهلك العربي وتوعيته بحقوقه التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها رقم 248/39 بتاريخ 9 ابريل 1985 لضمان الالتزام بها في كافة أقطار الوطن العربي.


موقف المنظم السعودي:-
توجد في المملكة العربية السعودية بما تسمى "جمعية حماية المستهلك", والتي هي عضو في المنظمة الولية للمستهلك وعضو في الاتحاد العربي للمستهلك, ونشأت الجمعية بناء على طلب قُدم إلى وزارة الشئون الاجتماعية برقم 3497 وتاريخ 9/6/1428هـ. وبعد أسبوع واحد من تقديم الطلب صدر قرار مجلس الوزراء رقم 202 بتاريخ 17/6/1428هـ بالموافقة على إنشاء جمعية أهلية بمسمى (حماية المستهلك). ثم تلا هذا القرار مرحلة إعداد مشروع النظام الخاص بالجمعية بهيئة الخبراء بمجلس الوزراء، ثم قدم مشروع التنظيم إلى هيئة الخبراء، وظلت عمليات المتابعة إلى أن صدر التنظيم الخاص بالجمعية من مجلس الوزراء برقم 3 بتاريخ12/1/ 1429هـ بالموافقة على تنظيم جمعية حماية المستهلك.
وتعرّف الجمعية عن نفسها بـ:
تعد جمعية حماية المستهلك إحدى مؤسسات المجتمع المدني، ولكنها أكثرها أهمية، وهي تقدم خدماتها مجاناً للجمهور في كافة مناطق المملكة، لأنها تقوم على خدمة المجتمع، وهي تستهدف جمهور المستهلكين بتوفير الحماية اللازمة لهم عن طريق توعية المستهلك بحقوقه وتلقى شكواه والتحقق منها ومتابعتها لدى الجهات المختصة، وتبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة وحمايته من جميع أنواع الغش والتقليد والاحتيال والخداع والتدليس في جميع السلع والخدمات والمبالغة في رفع أسعارهما ونشر الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك وتبصيره بسبل ترشيد الاستهلاك.
وللجمعية عدة اختصاصات واردة في الموقع الرسمي لها, منها:
1-الدفاع عن مصالح المستهلك ، عبر كافة الوسائل والطرق النظامية والشرعية ولدى كافة الجهات العامة والخاصة حتى وإن لم تتلق الجمعية أي شكوى من قبل المستهلكين وذلك عندما ترى الجمعية ضرورة المبادرة في الدفاع عن مصالح المستهلك.
2-وضع الخطط وبرامج العمل لحماية حقوق المستهلك وتعزيزها وتنميتها ووسائلتحقيق ذلك.
3-طلب الاستفسارات من الجهات الرسمية، وتقديم المقترحات التي تعنى بحقوق ومصالح المستهلك.(هذا الاختصاص يوحي لنا بأن الجمعية غير حكومية أو بالأصح غير مدعومة نظامًا)
4-التنسيق مع الجهات الرسمية في مجال الرقابة على المنتج والخدمة المقدمة للمستهلك، والتصدي للممارسات التجارية غيرالمشروعة والتي تضر بالمستهلك.(ينطبق على هذا الاختصاص الملاحظة المذكورة في الاختصاص السابق)
وهذه بعض اختصاصات جمعية حماية المستهلك الأهلية.
لذا المنظم السعودي لم يتطرق بعد إلى تنظيم يهدف إلى حماية المستهلك, ومثل هذه الجمعيات تفيد في التوعية إلا أنها غير ملزمة التطبيق لأنها لم تصدر من السلطة وهذا ما كان ينبغي على السلطة تنظيمه.




*الكلام المنتهي بـ(*) مأخوذ من موقع الجزيرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق