الثلاثاء، 31 يناير 2017

مبدأ الفصل بين السُلطات الثلاث في الدولة


شعار جامعة أم القرى - شفافية.jpg


مبدأ الفصل بين السُلطات الثلاث في الدولة
تم إعداد هذا البحث كتطبيق لمادة مناهج البحث العلمي



تاريخ: 3-3-1437هـ
الموافق: 14-12-2015م










"السُلطة توقف السُلطة"
                                                              منتسكيو














المبحث الأول
مفهوم مبدأ الفصل بين السُلطات في الدولة ونشأته



المطلب الأول
مفهوم مبدأ الفصل بين السُلطات

المتبادر إلى الذهن عند ذكر جملة (مبدأ الفصل بين السُلطات في الدولة) هو أن السُلطة في دولة ما, تنقسم إلى أقسام عدة, وأن هذا المبدأ يقوم على فصل هذه السُلطات بعضها عن بعض.
ولكي نعرّفه علينا أولًا الشروع في تعريف المصطلحات التي تضمنه لغويًا واصطلاحيًا*.
فالمبدأ في اللغة: هو  مبدأ الشيءِ أي أوّله ومادّته التي يتكوَّن منها، كالنَّواة مبدأ النَّخل؛ أو يتركَّب منها، وكالحروف مَبْدأ الكلام.
وفي الاصطلاح: يُعنى بالقواعد الأساسية التي يقوم عليها الشيء.
والفصْل لغةً: من فَصَلَ, فيُقال فصل بينهما أي فرّق وميّز, وفَصَلَ الشيء أي قطعه أو قسمه إلى أجزاء.
والسُلطة في اللغة: من التَّسَلُّطُ والسيطَرَةُ والتحكُّم.
وفي الاصطلاح: تعني بحق إصدار القوانين وحق ممارسة ما غير ذلك من صلاحيات ترتبط بالحكم.
أي أن السُلطة هي الصلاحية لإصدار القانون وحق ممارسة صلاحيات الحكم.
أما ما تعنيه جملة (فصل السُلطات) في الاصطلاح:
فنجد أن دكتور وضّاح زيتون يعرفها بأنها:
"مبدأ سياسي يقوم عليه الحكم الديمُقراطي** بكل صوره وأشكاله في العالم".
ونجد من تعريف دكتور وضّاح زيتون لمعنى فصل السُلطات, هو ربطه بالنظام الديمُقراطي, فهو من مقوماته وأساسياته, إلّا أنه هنالك غيره من الأنظمة الحكم تأخذ بهذا المبدأ, ونعم توجد بعض الاختلافات بين كل نظام ونظام من أنظمة الحكم في الأخذ بمبدأ الفصل بين السُلطات, إلّا أنها غير جوهرية.
وقسّم أحد الباحثين بين مدلول هذا المبدأ سياسيًا وبين مدلوله قانونيًا, فيعرفه سياسيًا بأنه:
عدم تمركز السُلطة في يد فرد أو هيئة سلامةً من إساءة استخدامها أو البطش بها.
أما قانونيًا فيعرفه بأنه:
يرتبط هذا المدلول-مدلوله قانونيًا-  بوجود هذا المبدأ في الدساتير لدى الدول ومدى فهم واضعين الدستور له, فبناء على ذلك اختلفت الدول في تقسيم السُلطات ووظائفها على هيئاتها وأجهزتها.
وكذلك يُعرّف قانونيًا أيضًا بأنه:
ممارسة كل سلطة من سلطات الدولة لعملها وخصائصها ووظائفها والدور المحدد لها في الأنظمة في استقلال عن السُلطات الأخرى, وأن لا تتدخل أو تطغى سلطة في عمل واختصاصات سلطة أخرى.
ففصل السُلطات إذًا بالعموم ضد تمركز السُلطة وضد أن تكون السُلطات بمختلفها في يد فرد أو جماعة, وأن تقسّم السُلطات بحسب خصائصها واختصاصاتها, حيث استقر التقسيم الحديث للسلطات إلى تفصيلها لثلاثة أنواع, وسيجري الحديث عنها في المبحث القادم إن شاء الله.





المطلب الثاني
نشأة مبدأ الفصل بين السُلطات
يعوّز كثيرا من الباحثين نشأة مبدأ الفصل بين سلطات الدولة في شكله الحديث إلى ( مونتسكيو) صاحب كتاب روح القوانين, إلا أنهم ذكروا أن كثير من الفلاسفة وأولهم (أفلاطون) وتلميذه (أرسطو) قد تحدثوا عن هذا المبدأ, ولكن ليس في صورته الحالية وبمفهومه الحالي كمبدأ يجب على الدول أن تعمل به حتى لا تستبد بسلطتها.
لذا مفهوم الفصل بين السُلطات قد تُحدث عنه كمفهوم من قبل كثير من الفلاسفة, إلّا أنهم قالوا أن أول من تحدث عنه كمبدأ بمعنى واضح ومفصّل ويجب الالتزام به في دولة ما هو (مونتسكيو) في القرن السابع عشر ميلادي, فوجدوا تفصيل هذا المبدأ في كتابه المذكور آنفًا, وأنه قسّم السُلطات لأنواعها وذكر المبررات لوجوب فصل هذه السُلطات بعضها عن بعض وأن لا تتدخل كل سلطة في اختصاصات السُلطة الأخرى ووظائفها وتكون كل سلطة مراقبة للسلطات الأخرى..










المبحث الثاني
أنواع السُلطات الثلاث


استقرّ تقسيم السُلطات في الدولة الحديثة إلى ثلاث سلطات, هي السُلطة التشريعية والسُلطة القضائية والسُلطة التنفيذية, ولكل سلطة من هذه السُلطات خصائصها التي تميزها عن الأخرى, لذا تنوط إلى كل سلطة من هذه السُلطات وظائف واختصاصات مناسبة لخصائصها, وسيجري تعريف كل واحدةٍ على حدة.
قد يكون تقسيم السُلطات على هذا النحو وظائفي, بمعني أن هنالك وظائف واختصاصات معينة في الدولة قُسمت بناءً عليها إلى ثلاث سلطات يميز كل واحدة عن الأخرى وظائفها أو خصائصها.
وقد يكون هذا التقسيم مركزي, بمعنى أن هنالك ثلاث مراكز في الدولة, مركز تشريعي, ومركز تنفيذي, ومركز قضائي.
والفرق بين الأول والثاني, هو أن الأول قد لا تكون الهيئات المنوط إليها وظيفة كل سلطة واضحة الملامح, فالأهم أن لا تتداخل اختصاصات ووظائف كل سلطة في اختصاصات ووظائف السُلطة الأخرى, أما الثاني فتكون كل سلطة من السُلطات الثلاث لها هيئة أو مركز في الدولة منوط إليه وظائفها واختصاصاتها, فيكون هنالك مركز أو جهة واضحة للسلطة التشريعية ومركز واضح للسلطة التنفيذية ومركز واضح للسلطة القضائية.


أولًا: السُلطة التشريعية:
التشريع لغةً: مصدر شَرَّعَ, يُقال شرّع الشخص بيته, أي رفعه.
والسُلطة التشريعية في الدولة: هي السُلطة التي لها الشأن بتشريع القوانين ووضعها, فإليها يُناط وظيفة واختصاص التشريع وسن القوانين وتعديلها, لذا لنقول أنها السُلطة الكَلِمِية.
وفي رأيي أن هذه السُلطة هي الأهم من بين غيرها, فهي الضابطة لكلا السلطتين التنفيذية والقضائية, ولكي تميز بين كون دولة ما مستبدة أو لا, هو أولًا بمدى وجود ووضوح التشريع والقوانين فيها, فإن غابت السُلطة التشريعية أو فسدت يغيب ويفسد التشريع, فيحدث أن السُلطة التنفيذية تعمل دون قواعد وأن السُلطة القضائية تحكم دون نصوص فلا يوجد مرجعية لكلا هاتين الأخيرتين, بل أنه قد يغيب القانون ويبقى التنفيذ والقضاء بيد المستبد يعبث فيه, وفي رأيي أن من التزامات الدولة أن يكون التشريع فيها أولًا, وأن يكون التنفيذ والقضاء وفقًا له ثانيًا, فلا يكفي وجود النص دون الزاميته.
ثانيًا: السُلطة التنفيذية:
التنفيذ لغةً: مصدر نفَّذَ, ويُقال: تَعَهَّدَ بِتَنْفِيذِ وَعْدِهِ أي بِإنْجَازِهِ وَالْمُبَاشَرَةِ فِي تَحْقِيقِهِ.
والسُلطة التنفيذية في الدولة عمومًا: هي السُلطة المسئولة عن تنفيذ القوانين, فاختصاصها الأساسي إذًا تنفيذ القوانين التي وضعتها السُلطة التشريعية, فلنسميها إذًا السُلطة الفعلية.

ثالثًا: السُلطة القضائية:
القضاء لغةً: مصدر قضَى, ويُقال: قَضَى غَرَضَهُ : نَالَهُ ، أَتَمَّهُ ، فَرَغَ مِنْهُ.
والسُلطة القضائية في الدولة: هي السُلطة المسئولة عن فض المنازعات المختلفة, مثل التي قد تنشأ ما بين الأفراد فيما بينهم أو التي قد تنشأ بين الأفراد وبين مركز حكومي, وكذلك هي الحَكَم في أي نزاع قد ينشأ بين السُلطة التشريعية والسُلطة التنفيذية, لذا نسميها السُلطة الحكَمية.
والسُلطة القضائية هي ميزان العدل في الدولة, فبها يُحكم بين الحاكم والمحكوم, أي بين الشعب والسُلطة, فلذا كان من الواجب أن تُفصل هذه السُلطة عن باقي السلطتين, وهذا يعني أن يستقل القضاء*, فلا على أي سلطة أخرى أن تتدخل في فض نزاع, ولا يصح إن تغير نص قانون ما أن يؤثر هذا على حكم قضائي سابق أو على منازعة قائمة.









المبحث الثالث
أهمية الفصل بين السُلطات الثلاث

المطلب الأول
ضمانات الفصل بين السُلطات الثلاث

المقصود بضمانات الفصل بين السُلطات هي الضمانات المتحصلة من الفصل بين السُلطات وكذلك الإيجابيات والمزايا, وسأشير بمصطلح ضمان إلى الأمور الجوهرية المتحصلة من الفصل بين السُلطات, أما الإيجابيات والمزايا فأشير بها إلى المستفاد من الفصل بين السُلطات من الناحية العملية.

أولًا: ضمانات الفصل بين السُلطات:
1- إن تمركز السُلطة في يد واحدة أو جماعة واحدة, من شأنه أن لا يجعل هنالك رقيب على هذا الفرد أو على هذه الجماعة, ومن شأنه هذا أن يجعل هذا الفرد أو هذه الجماعة تعمل بالسُلطة دون ضوابط, فإن طغت طغت, وإن أرادت يوم أن تصلح صلحت, وهذا ما لا ينبغي أن ننتظر من السُلطة أن تصلح من ذاتها, فهذا أملٌ زائف.
2- "السُلطة توقف السُلطة" (مونتسكيو), يعني هذا أن السُلطة يجيب أن تكون هنالك سلطة أخرى تراقبها وتمنعها من أن تطغى, فعندما نأتي إلى السُلطات الثلاث, فإن كل سلطة من هذه السُلطات تراقب السلطتين الأخيرتين من حيث دائرة اختصاصاها ووظيفتها, فمثلًا السُلطة القضائية ملتزمة بالنص الصادر من السُلطة التشريعية فنشأ لدينا قاعدة "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص", وكذلك السُلطة التنفيذية ملتزمة بالنص التشريعي الصادر من السُلطة التشريعية فنشأ لدينا هنا "مبدأ المشروعية" فكل سلطة من السُلطات الثلاث محكومة من قبل السلطتين الأخيرتين.
3- يضمن الفصل بين السُلطات الثلاث أن لا تكون هنالك سلطة مطلقة تفعل في أمور الدولة ما تشاء دون أن يكون هنالك مساءلة لها, فهو بهذا يمنع السُلطة من أن تستبد, ويضمن للشعب أن يوجد هنالك شيء يحكم السُلطة في تعاملها معهم.
4- يحقق الفصل بين السُلطات مفهوم العدل, فيصبح الكل له وعليه, فحتى السُلطة لها المنصب وعليها المسؤولية وكذلك الرقابة مسلطة عليها من قبل السُلطات الأخرى.



ثانيًا: حسنات ومزايا الفصل بين السُلطات:
1-تسهيل وحسن إدارة دفة الحكم في الدولة, فتقسيم وظائف الدولة إلى ثلاث وظائف رئيسية, يمكّن الدولة من إدارة مرافقها وأمورها بأفضل صورة, حيث تتميز كل وظيفة بذاتها, ومن شأن أن تؤدي كل سلطة وظيفتها أن لا نجعل أي سلطة تطغى على السلطتين الأخيرتين.
2 الفصل بين السُلطات الثلاث أداة فعّالة لضمان حقوق الأفراد وحرياتهم واحترامها وكفالتها.
3-بالرقابة المتبادلة بين كل سلطة وسلطة يحسّن هذا من أداء وظائف الدولة على الشكل الأسلم.
4-ضمان احترام مبدأ سيادة القانون, بحيث تخضع جميع السُلطات الحاكمة للدستور والقانون وليس الشعب أو الأفراد فقط.




المطلب الثاني
نتيجة الخلط بين السُلطات الثلاث

تقدم في المطلب السابق ضمانات ومزايا الفصل بين السُلطات, وسنقوم بتقديم نتيجة الخلط بين السُلطات في هذا الفصل على شكل نقاط مبسّطة, مستخلصة من المطلب السابق, والخلط بين السُلطات يعني أن تتمركز السُلطة جميعها في يد فرد واحد أو في يد جماعة معينة, أو يعني أن هنالك سلطة طاغية على باقي السلطتين, ولعلي أشير في كلامي إلى المعنى الأول أكثر من المعنى الثاني.
ومن نتائج الخلط بين السُلطات الآتي:
1- عدم وجود ضامن يضمن لنا أن لا يُساء استخدام السُلطة.
2- لا يكون للسلطة مراقب يراقب عليها في أعمالها, مما يجعلها تفعل ما تشاء بمركزها.
3- عدم وجود قاعدة تحكم بين الحاكم والمحكوم مما يجعل هذا انعدام الأمان والطمأنينة لدى الشعب.
4- إن كان المعنى الأول, وهو تمركز السُلطة, فهذا يعني حتمًا الاستبداد, وإن كان المعنى الثاني, فهذا يعني غياب العدل وغياب الرقابة الصحيح على كل سلطة من السُلطات الثلاث.







خاتمة

إن الطغيان والظلم هو ما لا يرضى به أي إنسان بأن يقع عليه, ولكن لا نعلم إن كان كل إنسان لا يرضى بأن يصدر منه الطغيان والظلم, والعدل معنًا سامي من معاني الخير, وهو قيمة جوهري يجب أن تتحقق في السلطة لتكون خيّرة, فلذا من المهم وجود ضمانات تضمن لنا أن لا يصدر من الإنسان ظلم وطغيان, وفي السُلطة أهم وأجدر وأوجب أن توجد هذه الضمانات ليسلم الجميع. وفي السابق كان التصور الثيوقراطي للحكم, فكان الحاكم يدّعي بأنه وكيل الله في الأرض, أو أن الله هو الذي وضعه, فباسم هذه التصورات يُخضع شعبه ويحقق مصالحه, بل أن الحاكم يدّعي أنه إله من شدة تسلطه وتجبره وفجوره وظلمه وطغيانه. ومع تطور مفهوم الدولة ووعي الناس والشعوب, أصبح الكثير يعلم أن للحاكم التزامات كما له حقوق, وكذلك الشعب أيضًا, فأصبح من غير المقبول أن يستبد الحاكم ويطغى, وصارت الشعوب تطالب بحقها ولا تسكت عنه, وإن بطشها الظالم وطغى عليها.
ومن الضمانات الموجودة حاليًا ليسلم الناس من سوء استعمال السُلطة, هو مبدأ الفصل بين السُلطات, فبه لا تتمركز السُلطة, وبه يتم تحقيق الرقابة على السُلطة ويحقق أكبر قدر من عدم سوء استعمال السُلطة, فعلى الحكومات الأخذ به إن هي أرادت أن تعدل وتنصف, وعلى الشعوب أن يطالبوا به إن هم أرادوا أن يسلموا من استبداد الحكومات وبطشها.





المراجع


- د.إسماعيل البدوي, اختصاصات السُلطة التنفيذية في الدولة الإسلامية والنظم الدستورية المعاصرة, دار النهضة العربية, القاهرة, الطبعة الأولى, 1993م.
- د.ربيع أنور فتح الباب متولي, النظم السياسية, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, الطبعة الأولى, 2013م.
- د.علي رمضان علي بركات, الوسيط في شرح نظام القضاء السعودي الجديد, مكتبة القانون والاقتصاد, الرياض, الطبعة الأولى, 2014م.
- د.علي خطار شطناوي, الأنظمة السياسية والقانون الدستوري الأردني والمقارن, الكتاب الأول: الأنظمة السياسية, دار وائل للنشر, عمّان, الطبعة الأولى, 2013م.
- د.محمد رفعت عبدالوهاب, مبادئ النظم السياسية, منشورات الحلبي الحقوقية, بيروت, بط, 2002م.
- د.وضّاح زيتون, المعجم السياسي, دار أسامة للنشر والتوزيع ودار المشرق الثقافي, عمّان, بط, 2010م.
- مرجع إلكتروني: موقع معاني, قاموس ومعجم المعاني متعدد اللغات والمجالات, رابط: http://www.almaany.com





هناك تعليق واحد:

  1. Poker Games at JSMHub: Live Casino, Casino - JTM
    Find 화성 출장마사지 live poker games at JSMHub. 아산 출장안마 Get 보령 출장샵 all the hottest poker and casino games for free here at JSMHub, the 익산 출장샵 only one-stop place for fun 삼척 출장안마 and entertainment!

    ردحذف